12 - 05 - 2025

عاصفة بوح| التعليم والسياسة

عاصفة بوح| التعليم  والسياسة

نجاح التجربة التعليمية الجديدة فى معركة التابلت هى الهدف الأصيل، وليس سرعة الانجاز حتى ولو كان مطلبا سياديا، فنحن نخطط للمستقبل ونؤسسه على أسس علمية قوية لنحاول اللحاق بمجتمعات تعدتنا بسنين ضوئية وجعلتنا فى آخر قوائم أقل الدول تعليميا وربما تربويا، خاصة بعد فضيحة التعامل الأمنى مع الطلبة المراهقين!.

ها هى معركة وزير التعليم والتابلت تنفجر فى وجوهنا بعدما تم ضرب الأطفال الطلبة الذين تظاهروا اعتراضا على مهزلة التابلت "اللى ساعة يروح وساعة ييجى" فى تجربة لم تاخذ وقتها من الدراسة والتجارب التمهيدية والاستكشافية أو التطبيق الجزئى والمرحلى، ومن ثم ينتقلون إلى التجربة العامة والشاملة، كما حدث فى مجتمعات أخرى، ولكنها الخصوصية المصرية التي لا يفتؤون يلقونها فى وجوهنا، عندما نذكرهم بنجاح تجارب الآخرين فى عناد من يرفض الاعتراف بأى اخطاء فى التطبيق ولن أقول الفشل!!

والسؤال هنا لماذا الاستعجال؟ وعدم التاكد من توفير الموارد اللازمة وإتمام استعدادات المدارس والمدرسين وتهيئة الجو العام لاستقبال التجربة حتى نضمن النجاح ولا نرتد إلى نظم تعليمية بائسة أثبتت فشلها وعدم مواكبتها للنظم العصرية؟

يقول رأى خبيث - قد يتهم بالمعارضة للنظام أو حتى الاختلاف معه فى بعض ممارساته وهى تهمة خطيرة هذه الأيام - بأنه مطلب رئاسى بسرعة الانجاز، ومن ثم وجب التنفيذ بعدما وجدوا  الرؤوس  تطير لأتفه الأمور، فكان على وزير التعليم أن ينجز الخطوة تشبها بما حدث فى تفريعة قناة السويس، سريعا وفى التو واللحظة، فتكون النتيجة إما الكلفة المضروبة فى عشرة أو تعثر التجربة وفشلها و نرى تبعات ذلك فى انهيار التلاميذ وانفجارهم والتعامل الأمنى الكارثى معهم بالضرب والسحل وإشهار المسدسات فى وجوههم فى فضيحة دولىة تقف  فى طابور الفضائح المتتالية للأمن، فى تعامله مع المواطنين العاديين وليس الإرهابيين، فى عودة غير محمودة لسياسات أمنية كانت السبب الرئيسى فى ثورة المصريين! 

 المواجهات والملاسنات تدورعلى أشدها على مواقع التواصل الاجتماعي، ما بين مؤيد للتطوير والتجديد ومحاربة مافيا القديم المتلخصة في السناتر والدروس الخصوصية، وما بين رفض هذا التخبط أو الرفض لكل جديد تحت شعار هذا ما وجدنا عليه آباءنا!

ولكن السؤال الذي أرقنى حقيقة.. هل تم عمل دراسة علمية لتجديد أو تعديل أو تطهير المناهج من الحشو غير الضرورى والإطالة غير المفهومة؟ هل سعينا إلى تدريب المدرسين وتأهيلهم للاستخدام العلمى للكمبيوتر حتى يكونوا ركيزة وعونا للتلاميذ.. هل أعطينا الوقت للتجربة أن تبدأ على نطاق صغير ومحدود؟ هل دربنا الطلبة الصغارعلى طريقة التعليم الجديدة التى ينشدها الوزير المؤهل؟

هل علمنا التلاميذ طرقا جديدة تبتعد عن الحفظ والتلقين ومن ثم تقيؤ المعلومات على ورقة الامتحان، ثم نسيان كل شيء بعدها بلحظات، بدون الاستفادة بها فى وظائفهم المستقبلية وحياتهم العملية؟ هل عودناهم على البحث خارج المنهج والحوار والنقاش مع المدرسين بحرية وهل دربانهم على أصول الاختلاف ومعاييره وأخلاقياته؟ هل شجعناهم على طرح وجهات نظرهم وتسجيلها فى ورقة الإجابة فى مادة التعبير مثلا، دون أن يحولها المسؤول المرتعش إلى أمن الدولة تحسبا لتبعاتها؟ 

هل تتذكرون تلك الفعلة الجريمة؟

لقد رأوا بأعينهم أن أى خروج عن السائد والمتعارف عليه أمنيا وسياسيا مصيره مظلم، فكيف نطلب من الصغار أن يتقبلوا أى جديد بسهولة، خاصة أنه لم يتم الإعداد له، هاهم يدفعون ثمن اعتراضهم ضربا وسحلا وإذلالا، وأتصور أن ما حدث، سيكون له تبعات على حبهم وانتمائهم للوطن، وهى أمنية يتمناها أعداؤنا على المدى الطويل وقد قدمناها لهم على طبق من الفضة!

هل كانت جريمة الطلبة هى عدم الخوف وتجرؤهم على التظاهر بسبب موضوع تعليمى مدنى لاعلاقة له بالسياسة رغم تلميحات أبواق التطبييل والتخوين، فى وقت تصور النظام أن قسوته الأمنية علمت القاصى والدانى معنى الخوف والصمت والاستسلام؟ أم وجدوا فى تلك الوقفة الصبيانية مؤشرا على وجود غضب قابل للانفجار، خاصة بعد موجة الغلاء التى سوف تضرب البلاد فى الأيام القادمة بعد رفع سعر الكهرباء؟ فوجب الردع!

ردود الفعل المبالغ فيها فى التعامل مع الصبية، إنما هو انعكاس لحالة الخوف والترقب من نظام يعرف حجم الغضب الذى يتصاعد فى المجتمع وإن انكره سياسيا، ولكن يفضحه  التعامل الأمنى القاسى والمتهور مع أطفال مراهقين، لن ينسوا أبدا تلك التجربة ولن تردعهم، كما يأمل النظام، إنما أتصور أنها ستتكرر عاجلا أم آجلا، إن لم تتحسن الأحوال.

 لقد تعلموا من الثورة الكثير ولن يقبلوا أمورا قبلها آباؤهم وكانت النتيجة كارثية على الجميع. استثمروا فى الطلبة والشباب، فهم وقود المستقبل وغيروا كل قديم، فالغد لاينتظر أحدا، إنما سيتجاوزنا التاريخ فى التعليم و السياسة معا!.
---------------------
بقلم: وفاء الشيشيني
من المشهد الأسبوعي .. اليوم لدى الباعة 

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة